مجموعة العمل الثانية: بناء الأمة في آسيا الوسطى
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية، يومي 12 و13 أغسطس 2018، مجموعة العمل الثانية في إطار مبادرته البحثية حول موضوع “بناء الأمة في آسيا الوسطى”. واجتمع الباحثون على مدى يومين لتقديم ونقد مقالاتٍ عدة تناولت قضايا متعلقة ببناء الأمة، مثل: التعددية الثقافية، والهوية المدنية، والهجرة، وتصورات الهوية الوطنية، والغذاء وهوية المطبخ، والإسلام، والتكامل الاجتماعي والثقافي، وحياة الرُّحل.
استهلّ عزيز بورخانوف مناقشات مجموعة العمل بمقاله عن “التعددية الثقافية والهوية المدنية وبناء الأمة في كازاخستان”، الذي يتناول فيه بالبحث قضايا التعددية الثقافية والهوية المدنية في كازاخستان. ويجادل بأن كازاخستان، شأنها شأن الكثير من دول ما بعد الاتحاد السوفيتي، شهدت منذ انهياره تحدي خلق شعور جديد بالهوية الوطنية. ويحلل بورخانوف ثلاثة جوانب رئيسية للاتجاهات الحديثة في سياسات التنوع العرقي في كازاخستان. ويتمّم تحليله بإدراج تصورات الهوية الوطنية “الكازاخية” المدنية في خطابات وسائل الإعلام الناطقة باللغتين الكازاخية والروسية، مع تسليط الضوء على وجهات النظر المتباينة حول القومية المدنية في هذين المجالين اللغويين. وأخيرًا، يعزز بورخانوف استنتاجاته ببيانات مستقاة من دراسات استقصائية أجريت في كازاخستان ما بين عام 2005 وعام 2016 لاستكشاف الديناميات الجوهرية في تصورات من أجابوا عن الاستقصاء المتعلق بقضايا الهوية الوطنية العرقية والمدنية. ومن خلال دمج هذه الأساليب المختلفة، توضح هذه الدراسة تعقُّد مشروع الهوية الكازاخية فوق الوطنية، وكيف يتجسد هذا المشروع في سياسات الدولة، وفي الخطاب الإعلامي، وفي التصورات الشعبية.
ونقل رسلان رحيموف مناقشات مجموعة العمل إلى موضوع “الدولة والهجرة وعملية بناء الأمة في آسيا الوسطى: الموارد والتصور والممارسات”. وتوضح ورقة رحيموف الطرق المختلفة التي تعاملت بها الدول مع عمليات الهجرة وبناء الأمة في آسيا الوسطى، مع التركيز خاصة على الاتجاهات الناشئة في قيرغيزستان. ويؤكد رحيموف، انطلاقًا من فرضية مؤداها أن بناء الأمة ينطوي على بناء عمليات تفكيرية وتعبيرية تؤكد تفرد الدولة، أن الطرق التي تعاملت بها دول آسيا الوسطى مع الهجرة العابرة للحدود قد أثّرت في سياسات بناء الأمة الأوسع نطاقًا.
وتنطلق دينا شاريبوفا من بحث بورخانوف في مناقشتها موضوع “تصورات الهوية الوطنية في كازاخستان: أدلة مستقاة من دراسة استقصائية على صعيد البلد”. وتجادل شاريبوفا بأن أبحاثًا كثيرة أجريت حول بناء الأمة في آسيا الوسطى، ولكن لم يُكتَب سوى القليل عن تصورات الناس لهويتهم الوطنية. وتحلّل في بحثها نتائج دراسة استقصائية أصلية أجريت على صعيد كازاخستان في يناير 2016. وتجادل شاريبوفا، بناءً على تحليلها، بأن الهوية الوطنية في كازاخستان متعددة الطبقات ومحددة بالسياق. ويستخدم الكازاخيون المواطنة والوطنية ومعرفة التاريخ واحترام القوانين والمؤسسات السياسية بالإضافة إلى الإلمام باللغة الكازاخية باعتبارها مؤشرات تدلّ على الهوية. وتتعمق شاريبوفا في تحليل المفاهيم المختلفة للهويات المدنية والعرقية، واستخدام اللغة الكازاخية، والدين باعتبارها عناصر تتألف منها هويات أبناء كازاخستان. وخلصت إلى أن الدين، على أهميته المتزايدة في الحياة اليومية لكازاخستان، لا يحجب الهويات العرقية والمدنية التي لا تزال علامات الهوية السائدة في كازاخستان.
وركزت عايدة أليمباييفا مناقشتها على موضوع: “أمَّتا بلوف وبيشبرماك: الطعام والهوية الوطنية على شبكة الإنترنت في آسيا الوسطى.” وتجري أليمباييفا في ورقتها مسحًا للكيفية التي يتم بها تخيّل الطعام والأمة في آسيا الوسطى وتفسيرهما في فضاء الإنترنت. وتجادل بأن الغذاء والمطبخ في آسيا الوسطى على الإنترنيت مرتبطان ارتباطًا مباشرًا بفكرة الأمة. وهذا يعني، بعبارة أخرى، أن الطعام والأطباق ساهما ظاهريًا في تخيّل دول آسيا الوسطى. لقد تم إنتاج أفكار الانتماء والأهمية المادية بشكل تفاعلي ومستمر، وأعيد إنتاجها وسردها والاعتراض عليها من قبل فاعلين شتى -أفراد ومؤسسات- في فضاء الإنترنت. وترى أليمباييفا أن الأشخاص، في إطار تبادل المشاعر في العالم الافتراضي بشأن الأطباق الشهيرة، يقرنون أنفسهم بدول أو ينأون بها عنها دونما حاجة إلى اتصال: ذلك أن الخيال لم يعد متاحًا بصريًا فحسب، بل غدا أيضًا قابلاً للمشاركة في نفس الوقت مع العالم بفضل الإنترنت.
وناقشت مكرَّم توكتوغولفا موضوع “الإسلام في سياق بناء الأمة في قيرغيزستان: الممارسات المستنسخة والخطابات المختلف فيها”. وتتناول توكتوغولفا بالدرس في مقالتها الممارسات المحلية للإسلام، والتفسيرات المتباينة والمتناقضة أحيانًا لتلك الممارسات في مناطق تالاس وأوش ونارين في قيرغيزستان. وتركز على إعادة إنتاج المسلمين للممارسات المحلية للإسلام واستعادتها بطرق مفيدة لهم. وبالإضافة إلى الرسوم التوضيحية للممارسات المحلية، تستكشف توكتوغولفا الخطابات المتعلقة بمعنى الإسلام ودوره في السياق الاجتماعي والثقافي الحالي. ويسلّط تحليل الفهم المتنوع للإسلام الضوءَ، من ناحية، على كيفية إعادة تعريف مسؤولي الدولة لدور الإسلام “الصحيح” ومعناه من خلال التنظيم الصارم للحقل الديني، وكيف تستجيب مجموعات مختلفة من المجتمع لتلك اللوائح الرسمية. ومن ناحية أخرى، يبين هذا التحليل أيضًا كيف تنشأ معاني بديلة للإسلام في الممارسات المحلية، وكيف يفسر الأشخاص العاديون دلالة هذه الممارسات.
وقدّمت لورا يريكيشيفا، انطلاقًا من مناقشة توكتوغولفا، ورقتها حول موضوع “الدين والتكامل الاجتماعي والثقافي: وظائف الدين وديناميات بناء الأمة في كازاخستان وأوزبكستان”. وتستكشف يريكيشيفا في ورقتها الترابط بين بناء الأمة والدين باعتبار ذلك جزءًا من التكامل الاجتماعي. وتنظر المؤلفة في ما وراء المقاربات المؤسسية الصارمة للتكامل الاجتماعي من خلال دراسة التفاعلات بين النظام الثقافي الشامل والنظام الديني المتفرع منه؛ ووظائف الدين على صعيد المؤسسات والعلاقات والمعرفة. وتدرس يريكيشيفا من خلال هذه المواضيع عملية بناء الأمة الجارية في كازاخستان وأوزبكستان خلال العقدين ونصف الماضيين.
وختامًا، قدّمت إليزابيث وانوشا ورقة ديانا كودايبيرجينوفا حول موضوع “إعادة البدو الرحل إلى الداخل!: الخيول والمحاربون وبناء الأمة وخطابات ’الرحّل‘ في آسيا الوسطى”. وتجادل كودايبيرجينوفا بأن خطابات “الرحّل” التي تجسّد التراث المفقود لسهوب أوراسيا وجوهر الهوية الكازاخية الأصيلة، أضحت هي التمثلات الفنية والأدبية الأوسع انتشارًا التي عبّر عنها المفكرون والفنانون الكازاخيون السوفيات منذ ستينيات القرن العشرين. وشكّل مفهوم تراث الرحّل أيضًا جزءًا مهمًا من بناء الأمة الرسمي والإنتاج الثقافي المستقل. وتذهب كودايبيرجينوفا أيضًا إلى أن الكتّاب الكازاخيين أجروا أبحاثًا دقيقة وضعوا بها أسس تراث الرحّل البدوي وأصَّلوا له في فترة ما بعد ستالين. و تطورت هذه الموجة من البدوية الرومانسية أكثر مع تشكُّل الفن الكازاخي المعاصر في أواخر الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن العشرين. وبعد عام 1991، دمجت النخب السياسية هذه الخطابات الخاصة بتراث الرحّل في سياسة بناء الأمة الرسمية التي تصوّرها الرئيس نور سلطان نزارباييف. ويمتزج العديد من خطابات الرحّل في كازاخستان الحديثة في أيقونات رسمية، وإدارة التراث، والهدايا التذكارية، وكذلك في النقد الفني. وتستنتج المؤلفة أن الخطابات المختلفة بشأن الرحّل تمثل مجالاً للتنافس وإعادة صياغة سياق هوية المفكرين في الفترة السوفيتية، وإعادة تصور الدولة للأيديولوجية الوطنية، وفكرة مهيكَلة عن الأصالة الوطنية.
المشاركون والمناقشون:
- عايدة أليمباييفا، معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية، ألمانيا
- زهرة بابار، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- عزيز بورخانوف، جامعة نزارباييف، جمهورية كازاخستان
- إسلام حسن، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- مهران كامرافا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- سوزي ميرغني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- عبدالرحمن قيوم، جامعة جورجتاون في قطر
- رسلان رحيموف، الجامعة الأمريكية في آسيا الوسطى، جمهورية قيرغيزستان
- دينا شاريبوفا، جامعة كيميب، كازاخستان
- جاكي ستار بيرد، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- مكرَّم توكتوغولفا، الجامعة الأمريكية في آسيا الوسطى، جمهورية قيرغيزستان
- إليزابيث وانوشا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- لورا ييريكيشيفا، وزارة التعليم والعلوم في جمهورية كازاخستان
مقال بقلم إسلام حسن، محلل أبحاث بمركز الدراسات الدولية والإقليمية